الأمم المتحدة تسجل الاتفاق البحري التركي الليبي المتعلق بالتعاون وتحديد مناطق الصلاحية
قامت الأمم المتحدة بتسجيل مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وليبيا المتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية في المتوسط.
ووفق شهادة التسجيل الصادرة عن الأمم المتحدة يوم الخميس الموافق 1/10/2020 فإن الأمين العام أنطونيو غوتيريش،قد صادق يوم 30 سبتمبر/أيلول الماضي على مذكرة التفاهم بموجب المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة
ويذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد وقع مذكرتي تفاهم مع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي فائز السراج بتاريخ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
وتشمل المذكرة الأولى بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين المنبثقة عن القانون الدولي.
في سياق متصل قام البرلمان التركي بالمصادقة على مذكرة التفاهم المتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، في 5 ديسمبر/كانون الأول 2019، فيما نشرت الجريدة الرسمية للدولة التركية، المذكرة في عددها الصادر يوم 7 من الشهر ذاته.
وفي الخامس من الشهر ذاته، أقر المجلس الرئاسي للحكومة الليبية مذكرتي التفاهم، ودخلت مذكرة التفاهم المتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية حيز التنفيذ رسميا في 8 ديسمبر.
وفق وقت سابق تقدمت تركيا بطلب إلى الأمم المتحدة في 12 ديسمبر 2019، لتسجيل مذكرة التفاهم الموقعة مع ليبيا.
وفي وقت سابق
أعلنت تركيا وليبيا، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، عن توقيع مذكرتي تفاهم، الأولى حول التعاون الأمني والعسكري، والثانية بشأن تحديد مناطق النفوذ البحرية، تهدف إلى حماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي، في خطوة اعتُبرت مكسبا لسياسات أنقرة في شرقي البحر المتوسط.
وجرى توقيع مذكرتي التفاهم، من قبل وزير خارجية البلدين، في مدينة إسطنبول، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة لدى بعض الدول، وخاصة اليونان ومصر، وسط محاولات للتقليل من شأنه.
ويعد الاتفاق التركي الليبي، بمثابة رد قوي على مساعي اليونان وقبرص الرومية، لعزل أنقرة وإقصائها من شرقي المتوسط، عبر تأسيس آليات تعاون ثلاثية مع كل من إسرائيل، ولبنان، ومصر والأردن، أو عبر مكوّنات مثل “منتدى غاز شرقي المتوسط”.
ويعد الاتفاق التركي هذا مع ليبيا، الثاني من نوعه لأنقرة في شرقي المتوسط، بعد اتفاقية مشابهة أبرمتها مع جمهورية شمال قبرص التركية.
بدورها، عارضت اليونان وقبرص الرومية، الاتفاقية التركية الليبية، زاعمة أنها مناقضة للقانون الدولي، فيما قام وزير خارجية اليونان بزيارة القاهرة واللقاء هناك بنظيره المصري سميح شكري.
وبحسب معلومات قدمها مسؤولون لدى الخارجية التركية للأناضول، فإن الاتفاقية متوافقة مع القوانين الدولية والبحرية.
وأشارت المصادر السابقة، إلى تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو عقب توقيع الاتفاقية، والتي قال فيها إنها بمثابة حماية للحقوق التركية النابعة عن القانون الدولي.
ويحمل تحديد النفوذ البحري في شرقي المتوسط، أهمية كبيرة، نظرا لوجود العديد من الدول هناك، وهي تركيا، وسوريا، ولبنان، وإسرائيل، ومصر، وليبيا، واليونان، وجمهورية شمال قبرص التركية وقبرص الرومية.
وتواصل تركيا منذ سنوات، كفاحها للدفاع عن حقوقها النابعة من القانون الدولي في المنطقة، فيما اشتد الصراع شرقي المتوسط، اعتبارا من عام 2000، في أعقاب اكتشاف الموارد الهيدروكربونية فيها، لتشرع دول المنطقة في تحديد نفوذها البحرية.
بدورها، تجاهلت قبرص الرومية، حقوق القبارصة الأتراك بالرغم من عدم التوصل إلى حل لأزمة الجزيرة القبرصية، وأقدمت على إبرام اتفاقيات تحديد الحدود مع كل من مصر عام 2003، ولبنان عام 2007، وإسرائيل عام 2010، الأمر الذي عارضته أنقرة وقبرص التركية بشدة.
أبرز أسباب الاعتراض هذه، هي انتهاك الاتفاقيات المذكورة الحقوق المتساوية للقبارصة الأتراك، وانتهاك الاتفاقية المبرمة مع القاهرة، حقوق الجرف القاري التركي.
وبحسب معلومات حصلت عليها الأناضول من مسؤولي الخارجية التركية، فإن قبرص الرومية عقدت اتفاقياتها مع دول المنطقة حول تحديد الحدود، انطلاقا من مبدأ “المسافة المتساوية”، المعتمد عليه لدى بلدان اليابسة، إلا أن هذا المبدأ ليست قاعدة معتمدة في تحديد حدود الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدان.
المبدأ المعتمد في هذا الخصوص، لدى القانون الدولي والقوانين البحرية للأمم المتحدة، هو “التقاسم العادل”، ما يعني أن الجزر تنال مساحات أقل من بلدان اليابسة، فيما يخص الجرف القاري/المنطقة الاقتصادية الخالصة.
كما يتم مراعاة عوامل أخرى في تحديد الجرف القاري/المنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر، مثل مساحة الجزيرة، وطول جبهتها، وموقعها، وبعدها عن اليابسة، وهو ما يتم شرحه مفصلا لدى المحاكم الدولية وقرارات التحكيم.
إلا أن قبرص الرومية لم تراعِ في الاتفاقيات التي أبرمتها مع بلدان المنطقة، مبدأ “التقاسم العادل”، الأمر الذي تسبب في تقلص مساحات النفوذ البحرية لدول مثل مصر، وإسرائيل ولبنان، مع أنه كان بإمكانهم الحصول على مناطق نفوذ بحرية أوسع، في حال تطبيق المبدأ المذكور الذي تشير إليه تركيا باستمرار.
في المقابل، تحمل الاتفاقية التركية الليبية الأخيرة، أهمية كبيرة من حيث إبرازها مبدأ “التقاسم العادل”، ودعمها من قبل ليبيا، انطلاقا من تحقيق الاتفاقية لمصالحها حول النفوذ البحري.
وبالأمس، نشر السفير تشاغطاي أرجياس، المسؤول عن شؤون العلاقات السياسية الثنائية، المدير العام للحدود البحرية والجوية في الخارجية التركية، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي، خريطة تظهر حدود الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا في البحر المتوسط، بعد توقيع الاتفاقية الأخيرة مع ليبيا.
ويوضح مسؤولو الخارجية التركية، أنه بموجب هذه الخريطة، يتوجّب عدم منح مناطق نفوذ بحرية للجزر اليونانية في المنطقة، والجهة الغربية من الجزيرة القبرصية، سوى مياهها الإقليمية، مشددين على أولوية بلدان المنطقة وهي تركيا، ومصر وليبيا في تحديد حدود الجرف القاري/المنطقة الاقتصادية الخالصة للمنطقة.
ويؤكد مسؤولو الخارجية التركية على أن أنقرة سجّلت آراءها في هذا الخصوص، خلال السنوات الـ 15 الماضية، لدى الأمم المتحدة.
وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أرسلت تركيا بلاغا إلى الأمم المتحدة، يبيّن بشكل واضح حدودها في شرقي المتوسط، فيما تؤكد الآن على أن اتفاقيتها مع ليبيا قائمة على هذه الحدود المسجّلة أمميا.
هذا يعني أنه ليس من باب الصدفة قط، الإعلان عن الاتفاق التركي الليبي الأخير، في أعقاب البلاغ التركي للأمم المتحدة، بل إنها نتاج مباحثات شاملة.
كذلك فإن الاتفاقية المذكورة، مكسب سياسي وقانوني هام للسياسات التركية في شرقي البحر المتوسط، على الصعيد الدولي، كما أنها بمثابة رد على الانتقادات الموجهة ضد أنقرة حول “عدم قدرتها على عقد اتفاقيات مع بلدان المناطق الأخرى.”
وإلى جانب اتفاقيتي تركيا مع كل من جمهورية شمال قبرص التركية وليبيا، هناك 3 اتفاقيات أخرى عُقدت حتى الآن حول ترسيم الحدود البحرية في شرقي المتوسط، وهي بين قبرص الرومية وإسرائيل، ولبنان ومصر، وقد عارضتها أنقرة وأعلنت عدم اعترافها بها.
وعقب مصادقة تركيا وليبيا معا على الاتفاقية المبرمة بينهما مؤخرا، سيتم إبلاغ الأمم المتحدة بها رسميا، كما كان الحال مع الاتفاقية المبرمة بين أنقرة ولفكوشا، عام 2011، بعد مصادقة البرلمان التركي عليها.
في السياق ذاته، تشير ردود أفعال اليونان، وقبرص الرومية ومصر، إلى أن الاتفاقية التركية الليبية، أفشلت مخططات الثنائية اليونانية والقبرصية الرومية، ما يعني أن الكفاح السياسي والقانوني في هذا الخصوص، سيستمر لأعوام طويلة.
إلا أن تركيا عازمة ومصرة على مواصلة سياساتها على أرض الواقع من جهة، وعلى طاولة الدبلوماسية من جهة أخرى، حيث أكدت مرارا على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو، على أن أبواب الحوار معها لا زالت مفتوحة للجميع باستثناء قبرص الرومية التي لا تعترف بها أصلا.
كما تشدد أنقرة على عزمها مواصلة حماية حقوقها وحقوق القبارصة الأتراك، على أرض الواقع وعلى طاولة المباحثات، وأنها لن تقبل ولن تسمح لأي مشروع يتجاهل جمهورية شمال قبرص التركية.
ويشير مسؤولو الخارجية التركية، إلى أن دعوات أنقرة للحوار والطرق الدبلوماسية، لا زالت مستمرة، لافتة إلى أهمية قبول هذه الدعوات من قبل ليبيا.
في الخلاصة، تبرز الاتفاقية التركية الليبية، كمكسب سياسي وقانوني هام لسياسات أنقرة في شرقي البحر المتوسط. صحيح أنها لا تجد حلا نهائيا للخلافات القائمة حول مناطق النفوذ البحرية في المنطقة، إلا أنها تحمل أهمية كبيرة من حيث دعم الأطروحات القانونية والسياسية لتركيا.
المصدر: وكالة الأناضو